الكنز المخفي اللذي غفل عنه المسلون ...
الكنز المخفي اللذي غفل عنه المسلمون ...
أخر صيحة في أمريكا الأن موضة جديدة اسمها الإستغراق التأملي المتجرد .. و هي موضة وافدة من الهند و بدعة من بدع اليوجا .. و قد لاقت نجاحاً مكتسحاً في المجتمع الأمريكي شأنها شأن كل البدع الجديدة ووضعت فيها الكتب و المؤلفات ، و أقيمت المؤتمرات و أصبح لها رسل و دعاة و مبشرون ينطـلقون إلى القارات الأربع و معهم الكتب و النشرات للدعوة للمذهب ..
وقد التقيت بأحد هؤلاء المبشرين وكان يحاول أن يدعو لمذهبه والمذهب في اختصار شديد يدعو كل منا إلي أن يخصص بضع دقائق من يومه يطرح فيها عن نفسه كل الشواغل ، و يلقي عن باله كل الهموم و يستلقي في استرخاء كامل على كرسي و قد أغمض عينيه و تجرد عن كل شيء حتى عن نفسه يلقيها هي الأخرى وراء ظهره ، و يخرج من جلده إلى حالة من الخلوص و المحو و اللاشيء .. إلى راحة العدم ويختار المبشر لكل واحد من أتباعه تسبيحة يرددهإ .. هي في العادة كلمات سنسكريتية لا تعني بالنسبة للمريد أي شيء و سوف تعاون هذه التسبيحة المريد على أن يخرج من نفسه أكثر ، و يتجرد من عالمه و يخرح من حضرة الهم و الغم و التوتر إلى حضرة أخرى مجردة تكون فيها راحته وخلاصه .
إنها دعوة إلى نوع من السكتة العقلية التي تأخذ فيها النفس راحة و إجازة من معاناتها .. ورأيت مع المبشر كتب ومنشورات وبحوثاً علمية وإحصائيات تؤكد شفاء الكثيرين من ضغط الدم و الذبحة و اضطراب الهرمونات و الصداع المزمن بعد مباشرة هذه الجلسات لمدة شهور وفي أحد هذه البحوث كان الطبيب يتابع ضغط دم المريض في أثناء جلسة الاسترخاء فتسجل الأجهزة انخفاض الضغط انخفاضاً ملحوظاً مع هبوط في تسارع النبض مع تغير في أخلاط الدم الكيميائية في اتجاه المزيد من التوازن وفي جلسة طويلة مع المبشر قال لي إنه ألقى عدة محاضرات في النادي مع تمارين توضيحية تشرح مذهبه .. و لكنه اشتكى من عدم التجاوب بين المستمعين وأنه لم يلاق الصدى و النجاح الذي توقعه وقلت له إن هذا أمر طبيعي و متوقع .. فما تقوله و ما تبشر به ليس أمراً جديداً على اسماعنا .. بل إننا نباشر هذه التمارين بالفعل كمسلمين خمس مرات في اليوم .. فهي جزء من صلاتنا الإسلامية التي أمرنا بها نبينا عليه الصلاة و السلام ...
فالصلاة عندنا تبدأ بهذا الشرط النفسي أن يتجرد المصلي تماماً من شواغله و همومه ، وأن يطرح وراءه كل شيء ، وأن يخرج من نفسه و ما فيها من أطماع و شهوات و خواطر و هواجس هاتفاً .. الله أكبر .. أي أكبر من كل هذا و يضع قدمه على السجادة في خشوع و استسلام كامل و كأنما يخرج من الدنيا بأسرها ..
ولكن صلاتنا تمتاز على التمرين الذي تبشر به .. بأنها ليست خروجاً من دنيا التوتر و القلق إلى عالم المحو الكامل و راحة العدم .. بل هي خروج إلى الحضرة الإلهية .. إلى حضرة الغنى المطلق ، ونحن لا نستعين بتسابيح وطلاسم سنسكريتية لا معنى لها و إنما نسبح بأسماء الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لنتمثل في قلوبنا تلك الحضرة الإلهية الجمالية التي ليس كمثلها شيء وقلت له إن صلاتنا تعطي المؤمن كل الراحة و الإجازة التي تدعو إليها وزيادة .. فهي ليست مجرد سكتة عقلية ، بل صحوة قلبية وانفتاح وجداني تتلقى فيه النفس شحنة جديدة من النور ونفحة من الرحمة ومدد من التأييد الإلهي ، إنها لحظة خصبة شديدة الغنى ، تعيد صلة المؤمن بالنبع الخفي الذي يستمد منه وجوده .
فالصلاة هي المعراج الأصغر و هي نصيب المسلم من المعراج الذي عرج فيه محمد - عليه الصلاة و السلام - إلى ربه وهي ليست مجرد حركات .. بل هي أسرار و رحمات وأشرفها وأرفعها صلاة الفجر التي تشهدها الملائكة .. و صلاة قيام الليل .. التي نال صاحبها بها المقام المحمود ، الصلاة هي الرصيد المتاح من الرحمة لكل مسلم في البنك الإلهي .. إن شاء أخذ منه و إن شاء ضل عنه وتكاسل فأضاع على نفسه كسباً لا يقدر بمال ما زالت الصلاة كنزاً مخفياً لا نعلم عن أسرارها إلا أقل القليل و لا ينتهي في الصلاة الكلام .
0 التعليقات: